محتويات

٢ موقف الجشطلت من النظريات السلوكية:

إن نظرية التعلم الجشطلتية جاءت كرد فعل لنظرية التعلم السلوكية، فالطريقة الجشطلتية تختلف في فهمها للتعلم اختلافا جذريا عن وجهات النظر السابقة، بل إنها تتناقض تناقضا حادا مع وجهة نظر السلوكيين. وذلك أن النظريات السلوكية نادت بكون التعلم يحدث نتيجة ارتباط بين مثيرات واستجابات.
فكان اعتراض الجشطالتيين على النظرية السلوكية يشمل عدة نقاط:/
• انتقدوا الاتجاه نحو تفتيت الإدراك الى جزئيات صغيرة، فالفرد يدرك الموقف كوحدة واحدة وليس كجزئيات مترابطة مثل النظر إلى لوحة فنية، حيث يدركها الناظر إليها كلوحة واحدة لها خصائصها الجمالية وليس كجزئيات منفصلة
• اعتبروا أن مجرد المحاولة والخطأ دون معنى لا يمثلان خصائص التعلم.
• اعتبروا أن الحفظ و التطبيق الآلي للمعارف تعلم سلبي. "التعلم الحقيقي ينطوي على الفهم والاستبصار والإدراك" وليس على الإشراط أو تكوين الارتباطات الاعتباطية.
• يرى الجشطلتيون أن الكليات هي الأساس، وهي التي تحدد طبيعة الأجزاء التي تكون هذه الكليات أكثر من كونها مجرد المجموع الكلي لأجزائها. مثلا تقديم الموضوع شموليا، فجزئيا وفق مسطرة الانتقال من الكل إلى الجزء.
• إن التحليل ينبغي أن يسير من الأعلى إلى الأسفل وليس العكس، حيث أنهم يعترفون بأولوية الكل على أجزاء هذا الكل وبالدور الحاسم الذي يلعبه (أي الكل) في تحديد أجزائه.

وتدعى النظرية الجشطلتية أن الارتباطات الجزئية الميكانيكية لا تعدو كونها صورا كاريكاتورية فارغة »للتعلم الحقيقي« وهو الذي يمتاز بمحاولة الوصول إلى صلب القضية. وهو تعلم أمين للطبيعة الحقيقية للمواد التي يراد تعلمها وبنيتها، فهو يتميز بالتوصل إلى الفهم المرضي لما كان لا معنى له قبل التعلم أو تلك التجربة التي نصل فيها إلى الاستبصار الحقيقي.
السؤال الجوهري لعلم النفس التعليمي ينبغي ألا يكون كيف يرتبط شيء بشيء آخر أو كيف تنشأ مجموعة من الأجزاء الميكانيكية بين المثيرات والاستجابات أو كيف تتشكل الارتباطات، وإنما ينبغي أن يكون ما هي الشروط اللازمة لتحقيق الفهم الحقيقي لمشكلة ما وتحقيق حلها.
وهكذا فان العملية السيكولوجية للاستبصار تشكل جوهر اهتمامات الجشطلتيين في سيكولوجية التعلم، فالتعلم يكون قد تم عندما يتم الفهم وعندما تتم تنمية الاستبصار في الطبيعة الحقيقية للموقف المُشكل، وعندما يعمل التعلم بطرق تظهر أن الملامح الهامة للعمل المراد تعلمه قد تم إدراكها.
إن القضايا الأساسية في التعلم من وجهة نظر الجشطلتيين ليست قضايا الارتباط وإنما هي قضايا "الاستبصار والفهم. أما المسألة الخاصة بطبيعة التعزيز ودوره في عملية التعلم فهي مسألة لا تحظى باهتمام كبير عند العلماء الجشطلتيين فهم يرون أن أوجه التعزيز الخارجي إنما تصرف الانتباه عن التعلم، وعلى سبيل المثال إذا ما كنت تصارع نظرية من نظريات الجبر أو كنت تحاول بناء جسر من الطوب فان القضية الهامة هي فيما إذا كنت قد فهمت البرهان على النظرية المذكورة أو فيما إذا كان الجسر الذي بنيته سيظل قائما ولن ينهار-وليست هي الدرجة التي سيمنحها لك المدرس أو ابتسامة التقدير من والديك.